فصل: تفسير الآية رقم (16):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (9- 10):

{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10)}
{قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين} الأحد والأثنين.
{وبارك فيها} بما خلق فيها من المنافع {وقدَّر فيها أقواتها} أرزاق أهلها وما يصلح لمعاشهم من البحار والأنهار، والأشجار والدَّوابِّ {في أربعة أيام} في تتمة أربعة أَيَّامٍ وهو يوم الثلاثاء والأربعاء، فصارت الجملة أربعة أيَّام خلق الله الأرض وما فيها من سبب الأقوات والمنافع والتجارات، فتمَّ أمرها في أربعة أيَّام {سواء} أَيْ: استوت استواء، وسواءً {للسائلين} عن ذلك، أَيْ: لمَنْ سأل في كم خُلقت السَّموات والأرض؟ فيقال: في أربعة أيام.

.تفسير الآيات (11- 14):

{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14)}
{ثم استوى} قصد وعمد {إلى} خلق {السماء وهي دخان} بخارٌ مرتفعٌ عن الماء {فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً} بما خلقت فيكما من المنافع، وأَخْرِجاها لمنافع خلقي. قال للسَّموات: أطلعي شمسك وقمرك ونجومك، وقال للأرض: أخرجي ماءك وثمارك طائعةً أو كارهةً، ففعلتا ما أمرهما طوعاً، وهو قوله: {قالتا أتينا طائعين}.
{فقضاهن} صنعهنَّ وأحكمهنَّ {سبع سموات في يومين وأوحى في كلِّ سماءٍ أمرها} أوحى في أهل كلِّ سماءٍ بما أراد من الأمر والنَّهي. وقوله: {وحفظاً} أَيْ: حفظناها من استماع الشَّياطين بالكواكب حفظاً.
{فإن أعرضوا} عن الإِيمان بعد هذا البيان {فقل أنذرتكم} خوَّفتكم {صاعقة} مهلكةً تنزل بكم كما نزلت بمن قبلكم {إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم} أتت الرُّسل إيَّاهم ومَنْ كان قبلهم {ومن خلفهم} ومن بعد الرُّسل الذين أُرسلوا إلى آبائهم جاءتهم الرُّسل أنفسهم.

.تفسير الآية رقم (16):

{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16)}
{ريحاً صرصراً} أي: لها صوتٌ شديدٌ {في أيام نحسات} مشؤوماتٍ عليهم.

.تفسير الآيات (17- 24):

{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)}
{وأما ثمود فهديناهم} دعوناهم ودللناهم {فاستحبوا العمى على الهدى} فاختاروا الكفر على الإيمان {فأخذتهم صاعقة} مهلكةُ {العذاب} ذي {الهون} وهو الهوان، أي: العذاب الذي يُهينهم. وقوله: {وهو خلقكم أوَّل مرة} ابتداءُ إخبارٍ عن الله تعالى، وليس من كلام الجلود.
{وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم} أَيْ مِنْ أن يشهد عليكم سمعكم أي: لم تكونوا تخافون أن يشهد عليكم جوارحكم، فتستتروا منها {ولكن ظننتم أنَّ الله} أي: ظننتم أنَّ ما تُخفون {لا يعلم} اللَّهُ ذلك ولا يطَّلع عليه، وذلك الظَّنُّ منكم بربِّكم.
{أرداكم} أهلككم.
{فإن يصبروا} في جهنَّم {فالنار مثوىً لهم} أي: مقامهم لا يخرجون منها {وإن يستعتبوا} يطلبوا الصلح {فما هم من المعتبين} أَيْ: ممَّن يُصالح ويرضى.

.تفسير الآيات (25- 26):

{وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26)}
{وقيضنا لهم} أيْ: سبَّبنا لهم {قرناء} من الشَّياطين {فزينوا لهم ما بين أيديهم} من أمر الدُّنيا حتى آثروه {وما خلفهم} من أمر الآخرة، فدعوهم إلى التَّكذيب به، وأن لا جنَّة ولا نار، ولا بعث ولا حساب. {وحقَّ عليهم القول في أمم} مع أممٍ بالخسران والهلاك. وقوله: {والغوا فيه} أَيْ: عارضوه بكلامٍ لا يُفهم من المُكاء، والصَّفير، وباطل الكلام {لعلكم تغلبون} ه على قراءته فيترك القراءة.

.تفسير الآيات (29- 38):

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)}
{ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس} يعنون: إبليس وقابيل؛ لأنًّهما أوَّل مَنْ سنَّ الضَّلالة {نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا} في الدَّرك الأسفل من النَّار.
{إنَّ الذين قالوا ربنا الله} أَيْ: وحَّدوه {ثمَّ استقاموا} على التَّوحيد، فلم يشركوا به شيئاً {تتنزل عليهم الملائكة} عند الموت {ألا تخافوا} ذنوبكم {ولا تحزنوا} عليها؛ فإنَّ الله يغفرها لكم.
{نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة} أَيْ: أنصاركم وأحباؤكم، وهم قرناؤهم الذين كانوا معهم في الدُّنيا من الحفظة، يقولون لهم: لن نُفارقكم في القيامة حتى ندخلكم الجنَّة. {ولكم فيها ما تدَّعون} تتمنَّون وتسألون.
{نزلاً} أيْ: جعل الله ذلك زرقاً لهم مُهيَّئاً.
{ومَنْ أحسن قولاً ممن دعا إلى الله...} الآية. قيل: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه دعا إلى توحيد الله. وقيل: إنَّها نزلت في المُؤّذِّنين.
{ولا تستوي الحسنة ولا السيئة} {لا} زائدة. {ادفع} السَّيئة {بالتي هي أحسن} كالغضب يُدفع بالصَّبر، والجهل بالحلم، والإِساءة بالعفو {فإذا الذي بينك وبينه عداوة} يصير لك كأنًّه صديقٌ قريبٌ إذا فعلت ذلك.
{وما يلقاها} أَي: ْ ما يُلقَّى هذه الخصلة {إلاَّ الذين صبروا} بكظم الغيظ واحتمال الأذى {وما يلقَّاها إلاَّ ذو حظ عظيم} وهو الجنَّة.
{وإمَّا ينزغنك من الشيطان نزغ} أَيْ: إنْ صرفك عن الاحتمال نَزْغُ الشَّيطان {فاستغذ بالله} من شرِّه وامض على حلمك.
{ومن آياته} علاماته التي تدلُّ على أنَّه واحدٌ {الليل والنهار والشمس والقمر..} الآية.
{فإن استكبروا} أي: الكفَّار. يقول: إن استكبروا عن السُّجود لله {فالذين عند ربك} وهم الملائكة {يسبحون} يُصلُّون له {بالليل والنهار وهم لا يسأمون} لا يملُّون.

.تفسير الآيات (39- 45):

{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (45)}
{ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة} مُغبَّرةً لا نبات فيها {فإذا أنزلنا عليهم الماء اهتزَّت} تحرَّكت بالنًّبات {وربت} انتفخت وعلت، ثمَّ تصدَّعت عن النَّبات.
{إنَّ الذين يلحدون في آياتنا} يجعلون الكلام فيها على غير جهته، بأن ينسبوها إلى الكذب والسِّحر {لا يخفون علينا} بل نعلمهم ونجازيهم بذلك.
{إنَّ الذين كفروا بالذكر} أَيْ: بالقرآن {لما جاءهم وإنَّه لكتاب عزيز} منيعٌ من الشَّيطان والباطل.
{لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلقه} أي: الكُتب التي تقدَّمت لا تبطله، ولا يأتي كتابٌ بعده يبطله. وقيل: إنَّه محفوظٌ من أن ينقص منه فيأتيه الباطل من بين يديه، أو يزاد فيه فيأتيه الباطل من خلفه.
{ما يقال لك إلاَّ ما قد قيل للرسل من قبلك} أَيْ: إنْ كذَّبك قومك فقد كذَّب الذين من قبلك.
{ولو جعلناه قرآناً أعجمياً} لا بلسان العرب {لقالوا لولا فصلت} بُيِّنت {آياته} بلغتنا حتى نعرفها {أأعجمي وعربي} أي: القرآنُ أعجميٌّ، ونبيٌّ عربيٌّ {قل هو} أي: القرآن {للذين آمنوا هدى} من الضَّلالة {وشفاء} من الجهل {والذين لا يؤمنون} في ترك قبوله بمنزلة مَنْ {في آذانهم وقرٌ وهو} أي: القرآن {عليهم} ذو {عمى} لأنَّهم لا يفقهونه {أولئك ينادون من مكان بعيد} أَيْ: كأنهم لقلَّة استماعهم وانتفاعهم يُنادون إلى الإيمان بالقرآن من حيث لا يسمعونه لبعد المسافة.
{ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه} بالتَّكذيب والتَّصديق، والإِيمان به والكفر كما فعل قومك {ولولا كلمة سبقت من ربك} بتأخير العذاب عن قومك {لقضي بينهم} لفرغ من هلاكهم {وإنهم لفي شك منه} من القرآن {مريب}.

.تفسير الآيات (47- 54):

{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آَذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47) وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48) لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52) سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)}
{إليه يردُّ علم الساعة} لأنَّه لا يعلمه غيره {وما تخرج من ثمرة من أكمامها} أوعيتها {ويوم يناديهم أين شركائي} الذين كنتم تزعمون {قالوا آذناك} أعلمناك {ما منا من شهيد} شاهدٍ أنَّ لك شريكاً، لمَّا عاينوا القيامة تبرَّؤوا من معبوديهم.
{وضلَّ عنهم} زال وبطل {ما كانوا يدعون من قبل} يثقون به ويعبدونه قبل يوم القيامة {وظنوا} علموا {ما لهم من محيص} من مهربٍ.
{لا يسأم الإنسان من دعاء الخير} لا يَمَلُّ الكافر من الدُّعاء بالصحَّة والمال {وإن مسَّه الشرُّ} الفقر والضرُّ {فيؤوس} من روح الله {قنوط} من رحمته. وقوله: {ليقولنَّ هذا لي} أَيْ: هذا واجبٌ لي بعملي استحققته {وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إنَّ لي عند للحسنى} أَيْ: لستُ أوقن بالبعث وقيام السَّاعة، فإن كان الأمر على ذلك إنَّ لي عنده لثواباً.
{وإذا أنعمنا على الإنسان...} الآية. يقول: إذا كان الكافر في نعمةٍ تباعد عن ذكر الله، وإذا مسَّته الحاجة أكثر الدُّعاء.
{قل أرأيتم إن كان} القرآن {من عند الله ثم كفرتم به من أضلُّ} منكم، لأنَّهم في {شقاق بعيد} أيْ: في خلافٍ بعيدٍ عن الحقّ بكفرهم بالقرآن.
{سنريهم آياتنا في الآفاق} ما يفتح على محمَّد صلى الله عليه وسلم من القرى {وفي أنفسهم} فتح مكة {حتى يتبين لهم} أنَّ القرآن حقٌّ وصدقٌ منزلٌ من عند الله تعالى: {أَوَلَمْ يكف بربك أنَّه على كل شيء شهيد} وهو يشهد لمحمَّد عليه السَّلام ولكتابه بالصِّدق.
{ألا إنهم في مرية} شكٍّ {من لقاء ربهم} من البعث والمصير إليه {ألا إنَّه بكلِّ شيء محيط} عالمٌ.

.سورة الشورى:

.تفسير الآيات (1- 3):

{حم (1) عسق (2) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)}
{حم} ح: حكم الله، م: مجده.
{عسق} ع: علمه، س: سناؤه، ق: قدرته. أقسم الله تعالى بها.
{كذلك يوحي إليك} ما من نبيٍّ صاحب كتابٍ إلاَّ وقد أوحى الله إليه: حم عسق، فهو معنى قوله: {كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك}.